2022/05/07
نسخ!

الأسباب الأربعة التي تدفع إيران لتجنّب التّوقيع؟

الأسباب الأربعة التي تدفع إيران لتجنّب التّوقيع؟

عبد الباري عطوان: هل يتذكّر أيّ أحد المُفاوضات النوويّة في فيينا المُستمرّة مُنذ ما يَقرُب العام، والمُتوقّفة مُنذ شهر آذار (مارس) الماضي؟ وهل يعرف أحد، أوروبي أو أمريكي أو إيراني متى ستُستأنَف أمْ أنها لفظت أنفاسها الأخيرة؟ ونُضيف سُؤالًا آخَر ضروريّ، وهو لماذا لم يتم إعلان الوفاة رسميًّا، وتحديد موعد الدّفن؟

نطرح هذه الأسئلة وغيرها، بمُناسبة القرار الذي صدر بالأمس عن مجلس الشيوخ الأمريكي، الذي يُعارض أيّ صفقة نوويّة بين الولايات المتحدة وإيران، على أرضيّة المطالب الإيرانيّة بإزالة الحرس الثوري من قائمة المنظّمات الإرهابيّة التي تُصدرها وزارة الخارجيّة الأمريكيّة كُل عام.

***

مُنذ اليوم الأوّل لاستِئناف هذه المُفاوضات النوويّة، وفي زمن السيّد حسن روحاني ووزير خارجيّته محمد جواد ظريف، قُلنا، وفي هذا المكان، إن إيران لا تُريد التخلّي عن برامجها النوويّة، وستتّبع سياسة المُماطلة والنّفس الطّويل لعدّة أسباب:

  • الأوّل: أن القيادة الإيرانيّة المُمثّلة بالسيّد علي خامنئي المُرشد الأعلى،  لا تُريد التخلّي عن طُموحاتها النوويّة وتِكرار السّيناريوهان العِراقي والليبي.

  • الثاني: هذه القِيادة لا تثق بالولايات المتحدة، وتعتبرها عدوًّا استراتيجيًّا، يُريد تجريدها من هذا الرّدع النووي الذي بات أمرًا واقعًا، لمصلحة إسرائيل، وتكريس هيمنتها على “الشّرق الأوسط” برمّته، وتوفير البيئة المُلائمة لضرب إيران.

  • الثالث: القوّة الأمريكيّة تتآكل بشَكلٍ مُتسارع لمصلحة حليفيّ إيران، أيّ روسيا الصين، كما أن الحِصار الأمريكي فقد مفعوله، واستطاعت إيران الالتفاف عليه، وباتت تُصدّر خُبراتها في هذا المِضمار إلى دول العالم، وخاصَّةً روسيا.

  • الرابع: ما يفصل إيران عن الحُصول “تصنيعًا” محليًّا، على المواد الانشطاريّة اللّازمة لصُنع سلاح نووي بضعة أسابيع فقط، إذا صدر القرار بذلك، بعد أن أصبحت دولة حافّة نوويّة تملك الكميّات المطلوبة من اليورانيوم عالي التّخصيب ومعدنه.

إيران لن تُبادر باتّخاذ قرار الانسِحاب من المُفاوضات النوويّة، وسيظل مُفاوضوها يُشاركون فيها، ويُواصلون رحلات الحجيج إلى فيينا، ويطرحون شُروطًا تعجيزيّة لدفع أمريكا اتّخاذ هذا القرار وتحمّل ما يترتّب عليه من تبعات، ومن يقول غير ذلك لا يعرف سياسة النّفس الطّويل الإيرانيّة، ودهاء الذين يقفون خلفها.

كُل الظّروف الإقليميّة والدوليّة الحاليّة تَصُب في مصلحة إيران وأبرزها الحرب الأوكرانيّة التي رفعت أسعار النفط إلى 115 دولارًا حتى الآن، ورفعت حجم الإنتاج الإيراني إلى ما يقرب من مِليونيّ برميل يوميًّا يذهب مُعظمها إلى الصين، دون أن تجرؤ أمريكا وإسرائيل على اعتِراض ناقلة نفط إيرانيّة واحدة في البِحار المفتوحة.

مُعظم التسريبات التي تناسلت في الفترة الأخيرة، وتتمحور حول اكتمال الصّيغة النهائيّة للاتّفاق كانت مُضلّلة، ولشِراء المزيد من الوقت، وقد حقّقت جميع أهدافها في خِداع الإدارة الأمريكيّة المشغولة حاليًّا حتى أُذنيها في الحرب الأوكرانيّة التي قد تُؤدّي إلى نزيفٍ يستمرّ لعدّة سنوات، أو تتطوّر إلى حربٍ نوويّة.

هُناك من يقول إن العقبة الرئيسيّة التي تحول دون التوصّل إلى الاتّفاق هو الشّرط الإيراني برفع الحرس الثوري من قائمة المنظّمات الإرهابيّة الأمريكيّة، ونحن لسنا مع هذا الرأي، لأنّه ماذا ستكسب أو تخسر إيران من تجاوب أمريكا لهذا الشّرط التّعجيزي المُهين لها؟

في تقديرنا أن تنازل أمريكا عن مُناقشة دور إيران الإقليمي، ونزع أسلحة أذرعها الحليفة في لبنان والعِراق واليمن وفِلسطين، وإيقاف برامجها الصاروخيّة، وحُضور “إسرائيل” لمُفاوضات فيينا كلّها تنازلات أكثر أهميّة بكثير من إزالة تُهمة الإرهاب عن الحرس الثوري.

***

باختصارٍ شديد نقول إن مُفاوضات الاتفاق النووي في فيينا أصبحت تاريخًا، وتحتل مكانةً مُتدنّيةً جدًّا على سُلّم أولويّات إيران من ناحية، وأمريكا والدول العُظمى من ناحيةٍ أخرى، وليس من المنطقي أن تتخلّى إيران المُستهدفة أمريكيًّا وإسرائيليًّا عن برنامجها النووي بعد أن أصبحت في موقفٍ قويٍّ لحاجة العالم “مُكرَهًا” إلى غازها ونفطها، وفي وقتٍ بات هذا العالم على حافّة حربٍ عالميّة نوويّة.

حالة الفوضى العالميّة الحاليّة التي خلقها الغباء الأمريكي هي الأنسب لإيران لتحقيق طُموحاتها النوويّة بشَكلٍ كامِل أو جُزئيّ، بعد أن راهنت بذكاءٍ على المحور الصيني الروسي الأقوى والمُتماسِك، وقرّرت الوقوف في خندقه مُنذ اليوم الأوّل للحرب الأوكرانيّة.. والأيّام بيننا.

تعليقك

الصفحات الاجتماعية اختيار المحرر آخر الأخبار
كاريكاتير صورة اليوم