في مقال لرئيس التحرير محمد علي صنوبري:
المقاومة وإبهامها الاستراتيجي
يبدو أنّ محور المقاومة اليوم متحد أكثر من أي وقت مضى، ويبدو أنّ كل خطوة تخطوها فصائل المقاومة تأتي ضمن سياق مدروس ومخطط، في سياق إطار وحدة المصير.
دخلت الإبادة الجماعية التي يمارسها العدو الصهيوني على شعب غزة اليوم الـ21 على التوالي. ويأتي هذا العدوان المستمر في ظل حصار خانق شمل قطع المياه والكهرباء والغذاء، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع عدد الشهداء إلى أكثر من 7326 شهيداً، بينهم أكثر من 2913 طفلاً و1709 سيدات وفتيات. ولا تزال “إسرائيل” ترفض أي مبادرة أممية أو دولية لوقف إطلاق النار، كما أنها ترفض وصول المساعدات الإنسانية إلى القطاع. كل ذلك يأتي في سياق محاولة إركاع شعب غزة أمام هذا العدوان الغاشم.
أما إذا ما أردنا الحديث عن أوضاع الميدان، فلا تزال “إسرائيل” تشن غارات عشوائية على قطاع غزة ولا يزال موقفها غامضاً من شن حملة برية. ونعتقد جازمين أنّ عين كل من “إسرائيل”، والولايات المتحدة من خلفها، على حلفاء حماس في محور المقاومة.
في الحقيقة، لقد شكّل طوفان الأقصى تغيّراً مفصلياً ومحورياً في اتجاهات الصراع العربي – الإسرائيلي. فما بعد السابع من أكتوبر لن يكون كما قبله أبداً. إن الخسارة الجسيمة التي ألحقتها كتائب القسام بالعدو جعلته يفقد جميع معادلات الردع الأمنية التي كان يمتلكها، سواء على الجبهة الجنوبية في محور غزة أو من الجبهة الشمالية في محور حزب الله.
فمنذ اللحظات الأولى لشن عملية طوفان الأقصى، اتّبع محور المقاومة بصورة عامة، وحزب الله بصورة خاصة، استراتيجية قتالية ثابتة هي “الإبهام الاستراتيجي”. لقد وضع حزب الله العدو الصهيوني في حالة استنفار مستمرة، وفرض عليه حالتي الحرب واللاحرب، في آن معاً.
ظهر عدد من التحليلات، التي تبرر عدم شن “إسرائيل” عملية برية ضد القطاع، منها ما هو قائم على فقدان الخبرة القتالية لجنود الاحتياط، ومنها ما هو قائم على شبكة الأنفاق التي تعول عليها الكتائب المقاتلة في قطاع غزة، وتحويل هذه الشبكات إلى أبواب جهنم للعدو الصهيوني. وهناك من أرجأ تأخير العملية البرية إلى خلاف عميق بين القادة السياسيين والقادة العسكريين في الحلقة الأضيق لـ”إسرائيل”.
قد تبدو كل التحليلات صحيحة، من حيث المبدأ، كما أنّ لكل من هذه الأسباب دوراً مهماً في تأخير العملية البرية، لكننا نعتقد أنّ السبب الحقيقي وراء تأخير العملية البرية هو الإبهام الاستراتيجي الذي أدته فصائل المقاومة من العراق إلى اليمن إلى سوريا إلى لبنان.
يُعَدّ اللقاء الأخير الذي جمع الأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصر الله، وصالح العاروري، نائب رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية “حماس”، والأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، زياد النخالة، رسالة واضحة إلى الأصدقاء والأعداء، تؤكد وحدة صف محور المقاومة تجاه الحرب الشرسة التي يخوضها العدو ضد شعب فلسطين. إن اللقاء الثلاثي يشير إلى أن هناك تقاسم أدوار في الميدان، فالمقاومة الفلسطينية تدافع في الجبهة الداخلية، وحزب الله يشن في الجنوب هجمات يومية ضد قواعد الاحتلال.
في بداية الحرب صدق نتنياهو (ولو لمرة واحدة في حياته) حين قال إنّ الشرق الأوسط سيتغير إلى الأبد، لأن قادة المقاومة هم من غيروا هذه المنطقة إلى الأبد.
فمن حيث الجانب السياسي، جعلت المقاومة الدول العربية المطبعة مع “إسرائيل” في عزلة تامة، كما أنها نسفت أي مشروع لتطبيع مقبل. وفضحت الجرائم التي ارتكبتها قوات الاحتلال في غزة المعايير المزدوجة التي مارسها الغرب بحق شعوب المنطقة طوال أعوام. ومن الناحية العسكرية، عمل قادة المقاومة على تفعيل جميع الجبهات بصورة مدروسة، وأرسلوا رسالة واضحة إلى “إسرائيل” وداعميها، مفادها أنّ هناك حرباً شاملة في انتظارهم. لقد قامت المقاومة بتفعيل فصائل في العراق وسوريا، فشنت هجمات متلاحقة ضد القواعد الأميركية، كما قام أنصار الله في اليمن بضرب القواعد الأميركية بالقرب من البحر الأحمر، كل ذلك في إشارة إلى أن الحرب التي تهدد بها “إسرائيل” لن ينتج منها اقتلاع حماس كما تروج، بل سينتج منها طرد القوات الأميركية من المنطقة بصورة نهائية، ودحر “إسرائيل”.
ختاماً، يبدو أنّ محور المقاومة اليوم متحد أكثر من أي وقت مضى، ويبدو أنّ كل خطوة تخطوها فصائل المقاومة تأتي ضمن سياق مدروس ومخطط، في سياق إطار وحدة المصير. لقد سلبت استراتيجية الإبهام الاستراتيجي زمام المبادرة من الولايات المتحدة و”إسرائيل”، وجعلتهما مترقبتين لأي تحركات قادمة من سوريا أو العراق أو لبنان أو اليمن. ومن جانبه، حافظ حزب الله في جنوبي لبنان على معادلة الردع التي فرضها فيما بعد عام 2006، لكنه وسع هامش تحركاته ضد قواعد الاحتلال، وجعل هذه التحركات العملياتية محدِّداً مهماً يجب أن يُؤخذ في الحسبان في أي قرار عسكري مستقبلي سوف تتخذه “إسرائيل” أو الولايات المتحدة.
تعليقك
- نظرة على إدارة ترامب الثانية /الحرب أو اللفتة السياسية
- المقاومة تتابع معادلة حيفا مقابل الضاحية بقوة
- معادلة حيفا والضاحية / الأمين العام لحزب الله يفي بوعده
- «كامالا هاريس» ضحية تداعيات سياسة «جو بايدن
- تأكيد على أهمية تحفيز الكتّاب على إبداع نصوص تنتصر لفلسطين
- فوز ترامب/دور المسلمين في هزيمة الديمقراطيين في الانتخابات
- د. محمد علي صنوبري: كيف ألهم حزب الله وحماس فكر المقاومة العالمية
- إذا هاجمت إسرائيل العراق،ستدفع تكاليف باهظة
- إحداثيات السلام الصهيوني / ما هدف مدعي وقف إطلاق النار في لبنان؟
- هل بدأ العد التنازلي لدوامة الفوضى في أمريكا
- السياسات الأميركية لا تتغير بتغيير الرئيس
- إستراتيجية بايدن.. تقطيع الوقت لغاية الإستحقاق الرئاسي
- هل حقا عماد امهز قيادي كبير في حزب الله