بقلم رئيس التحرير د. محمد علي صنوبري:
اغتيال قادة المقاومة وتفجيرات كرمان.. “إسرائيل” تضع يدها في عش الدبابير
ما من شك بأنّ إسرائيل وبدعم من الولايات المتحدة هما المسؤولتان عن تفجيري مرقد الشهيد قاسم سليماني في مدينة كرمان وتقوم هذه الفرضية على أدلة قوية ومحكمة تتعلق بطريقة التنفيذ أولاً والسياق الذي تأتي فيه هذه التفجيرات ثانياً. هذه التفجيرات التي تأتي في سياق توسيع الحرب برغبة إسرائيلية بسبب الفشل الذريع في قطاع غزة والمأزق الذي يعيشه نتنياهو في الداخل.
ولكن توعد خامنئي بالرد السريع والحاسم ضد هذه التفجيرات يعني بأنّ إسرائيل وضعت يدها في عش الدبابير وأن أعمالها المتهورة هذه لا تعمل إلا إلى التعجيل بنهاية هذا النظام الغاصب.
تفجير إرهابي ببصمات أمريكية-إسرائيلية
يمكن القول بأنّ الهجمات الإرهابية التي تقوم بها الجماعات المتطرفة كانت تقتصر على إما الهجوم بشكل مباشر بالأسلحة لاستهداف المدنيين والسعي لإلحاق أكبر الخسائر في صفوفهم أو عبر تفجيرات انتحارية وسط الحشود الشعبية، إلا أن هجمات كرمان تعتبر مرحلة أكثر تقدماً من هذه العمليات إذ تم التفجير عن بعد. ويجب التنويه هنا بأنّ الحديث عن طريقة جديدة للأعمال الإرهابية لا يعني بأنّ من تورط فيها لم يكونوا من الجماعات المتشددة بل نحن نتحدث هنا عن احتمالية استخدام إسرائيل والولايات المتحدة لهذه الجماعات لتحقيق أهدافهم الإرهابية وهذا له أدلة دامغة في تاريخ الولايات المتحدة في دعم داعش في العراق وسوريا ودعم إسرائيل للجماعات الإرهابية وعلى رأسها جبهة النصرة في سوريا عبر إمداد السلاح والدعم اللوجستي بالإضافة إلى معالجة جرحى جبهة النصرة في المشافي الإسرائيلية باعتراف مزودج بين إرهابيي النصرة وإرهابيي إسرائيل. ولذلك فيمكن القول بأنّ إسرائيل زوّدت هذه الجماعات بالمتفجراتّ ودربتهم على استخدامها.
وأما عن السياق الذي جاءت به هذه الهجمات الإرهابية فيمكن القول بأنّ هذه الهجمات جاءت في سياق تحوّل إسرائيل إلى ما تسميه المرحلة الثالثة للحرب في غزة في رحلة البحث عن صورة للنصر في هذه الحرب العبثية.
منذ أكثر من شهر يتم الحديث عن خلاف أمريكي-إسرائيلي حول الحرب في غزة ولكن هذا غير صحيح إذ أن الولايات المتحدة تدعم إسرائيل في جرائمها بدون أي حدود لهذا الإجرام. الولايات المتحدة كانت تراقب وعن كثب الفشل الإسرائيلي في قطاع غزة هذا الفشل الذي وصل إلى حافة الانتحار العسكري في قطاع غزة وهي لذلك بدأت تروّج لما يسمى “المرحلة الثالثة من الحرب” وهذا يعني بأن تتحول إسرائيل من الحرب البرية الموسعة والمكثفة في قطاع غزة إلى العمليات النوعية الخاصة أي استهداف قيادات حماس وتحييد الأخطار المحتملة والاعتماد بشكل أكبر على الهجمات الجوية.
إن هذا النوع من الحرب يعني حرب استنزاف طويلة الأمد وهذا يتناسب مع خطط نتهياهو في إطالة أمد الصراع للحفاظ على حياته السياسية في إسرائيل خصوصاً بعد أن قامت المحكمة العليا في إسرائيل بإلغاء التعديلات القضائية التي أقرتها حكومة نتنياهو المتطرفة وظهور الانقسامات الحادة بين الجيش وحكومة نتنياهو وبين الأوساط السياسية لحزب الليكود الذين أظهروا انقساماً حاداً حول استمرار نتنياهو على رأس السلطة.
بدأت إسرائيل بالفعل في تنفيذ هذه الخطة وسرّحت خمسة ألوية مقاتلة وبدأت تمهد لتسريح المزيد من الجنود والعسكريين. إن الجزء الأهم من المرحلة الثالثة للحرب هي استهداف كل من دعم المقاومة الفلسطينية في الشرق الأوسط وذلك لإن إسرائيل تعتبر بأنّ أسباب فشلها في غزة يعود إلى هؤلاء جميعاً ولذلك فهي بدأت باغتيال غادر للجنرال “رضي موسوي” في سوريا ومن ثم قامت باغتيال الشيخ “صالح العاروري” في بيروت.
ولا تقتصر الخطة الإسرائيلية-الأمريكية على عمليات الاغتيال لقادة المقاومة بل يبدو بأنها تتحرك نحو تفعيل الجماعات الإرهابية في منطقة الشرق الأوسط، فبشكل مفاجئ استعادت داعش قوتها وعادت لتنفيذ هجمات منظمة ضد الجيش السوري في البادية السورية وعادت جماعة جبهة النصرة أيضاً إلى استهداف المدنيين في القرى الشيعية “نبل والزهراء” وقامت بتفعيل الجماعات المتشددة في العراق لتصل أخيراً إلى كرمان لتنفيذ هجمات غادرة وإرهابية بحق عشاق قاسم سليماني.
الرّد بالمثل
بكلمات مختصرة وواضحة وصريحة رسم خامنئي حدود الرد ومساحاته وطريقته عندما قال بأن الرد القاسي والحازم هو ما ينتظر أولئك الذين شاركوا في هذه الجريمة أو أيدوها. ولذلك فسيكون الرد من جنس العمل وهو مواجهة إسرائيل والولايات المتحدة في أي مكان يتواجدون فيه من خلال استهدافهم بشكل مباشر أو من خلال القضاء على الجماعات الإرهابية التي يدعمونها في سوريا والعراق وإبطال مخطاطاتهم ومشاريعهم التقسيمية والإرهابية.
ختاماً، إن استهداف الشيخ صالح العاروري والجنرال رضي موسوي والشعب الإيراني في مرقد سليماني كلها تشير إلى الطبيعة الجبانة لإسرائيل والتي لم تستطع أن تكسر عزيمة ومقاومة أهل غزة فانتقلت إلى عمليات الاغتيال الجبانة ولكن ما لا يستطيع هؤلاء إدراكه بأنّ الأمم المقاومة والتي تدافع عن الحقوق المشروعة لا تحزم حقائبها كما يفعلون هم بل يستمرون على نفس النهج والمسير إلى التحرير الكامل من الاحتلال ويبدو بأنهم هم أنفسهم مستعجلون للقضاء على أنفسهم، والأيام بيننا.
رئيس تحرير مركز الرؤية الجديدة للدراسات الاستراتيجية
تعليقك
- “المقاومة اللبنانية أسطورة الصمود في وجه الغطرسة الصهيونية”
- نظرة على إدارة ترامب الثانية /الحرب أو اللفتة السياسية
- المقاومة تتابع معادلة حيفا مقابل الضاحية بقوة
- معادلة حيفا والضاحية / الأمين العام لحزب الله يفي بوعده
- «كامالا هاريس» ضحية تداعيات سياسة «جو بايدن
- تأكيد على أهمية تحفيز الكتّاب على إبداع نصوص تنتصر لفلسطين
- فوز ترامب/دور المسلمين في هزيمة الديمقراطيين في الانتخابات
- د. محمد علي صنوبري: كيف ألهم حزب الله وحماس فكر المقاومة العالمية
- إذا هاجمت إسرائيل العراق،ستدفع تكاليف باهظة
- إحداثيات السلام الصهيوني / ما هدف مدعي وقف إطلاق النار في لبنان؟
- هل بدأ العد التنازلي لدوامة الفوضى في أمريكا
- السياسات الأميركية لا تتغير بتغيير الرئيس
- إستراتيجية بايدن.. تقطيع الوقت لغاية الإستحقاق الرئاسي