محمد علی صنوبری في مقال العربی ۲۱:
حروب المستقبل هي خطاب الرؤوس النووية
مع اقتراب العالم من حافة الصراع الكارثي، تلقي ظلال الحرب النووية بظلالها الطويلة والمشؤومة على الأمن العالمي. ومع تصاعد التوترات عبر العديد من النقاط الجيوسياسية الساخنة، اشتد الخطاب المحيط بالتسلح النووي واستخدامه المحتمل بشكل مثير للقلق، ويزداد هذا القلق إذا ما علمنا بأن بعض اللاعبين النوويين المتهورين مثل إسرائيل هددوا باستخدامه ضد شعب غزة المحاصر في أكثر من مناسبة.
يرسم الباحث الأمريكي الشهير نعوم تشومسكي، وسط هذه الخلفية المضطربة، صورة كئيبة لمستقبل البشرية، حيث تتشابك الآفاق القاتمة لأزمات المناخ مع التهديد الذي يلوح في الأفق المتمثل في الانتشار النووي. وتأتي أفكار تشومسكي في وقت يشهد فيه المجتمع العالمي تآكلا لعقيدة منع الانتشار النووي، وهو التآكل الذي تفاقم بفعل التوترات الجيوسياسية وانتشار القدرات النووية ودعم الولايات المتحدة للتسلح النووي لقوى مستبدة ومحتلة ومتهورة مثل إسرائيل.
ويعتبر الصراع الدائر بين أوكرانيا وروسيا، والذي دخل الآن عامه الثالث، سببا في تفاقم المخاوف الحقيقية من التصعيد النووي، بحسب تشومسكي نفسه، حيث تطور الخطاب حول تفعيل خيار السلاح النووي التكتيكي بشكل كبير. وبينما يشير تشومسكي إلى الصراع الدائر بين أوكرانيا وروسيا بوصفه أرضية محتملة لاستخدام السلاح النووي إلا أنه يسلط الضوء كذلك على مضامين أوسع نطاقا، مشيرا إلى أن القضية ليست إقليمية فحسب، بل هي تحذير رهيب من كارثة عالمية محتملة.
ولا تنتهي القصة هنا؛ بل تزداد الأمور تعقيدا بسبب المناورات الاستراتيجية للقوى العظمى العالمية. وتُعتبر الولايات المتحدة وروسيا والصين الجهات الفاعلة الرئيسية في هذه الدراما عالية المخاطر، حيث يفكر كل منها في استخدام الرؤوس الحربية النووية كخيار تكتيكي في المواجهات المستقبلية. ويشير الخطاب إلى أن هذه الدول تنظر إلى القدرة النووية ليس فقط باعتبارها وسيلة ردع، بل باعتبارها استراتيجية قابلة للتطبيق للإكراه والهجوم والدفاع.
بعد أن كرر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أكثر من مرة رغبته بإرسال قوات عسكرية إلى الأراضي الأوكرانية للدفاع عن أوكرانيا في مواجهة روسيا ومحاولاته إقناع باقي الدول الأوربية بالانخراط بشكل أكثر فاعلية في هذا الصراع، تتزايد التكهنات والتوقعات حول مدى استعداد روسيا للتصعيد وتحويل التهديدات النووية إلى واقع ضد حلف شمال الأطلسي.
وأما بالانتقال إلى بحر الصين الجنوبي ومنطقة الصراع مع التنين الصيني الآسيوي، فيجب القول إن المشهد الاستراتيجي تغير بسرعة بسبب التوسع السريع وتنويع القوات النووية الصينية، والذي يتضمن تركيزا كبيرا على الدفاع الصاروخي والقدرات التي قد تغير ميزان القوى في منطقة المحيطين الهندي والهادئ. وبناء على هذه التطورات بدأت تلوح في الأفق مخاوف بشأن صراع محتمل بين أمريكا والصين حول تايوان بحلول عام 2025.
وبناء على الإدراك العميق بخطورة توسع الصراع النووي، دعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إلى نزع السلاح النووي بشكل عاجل وإجراء حوار بين الدول المسلحة نوويا لمنع وقوع حادث كارثي، مشددا على أن خطر النشر النووي العرضي مرتفع بشكل ينذر بالسوء. يتردد صدى هذه الدعوة إلى العمل في الوقت الذي تقترب فيه ساعة يوم القيامة من منتصف الليل، مما يرمز إلى اقتراب البشرية من التدمير الذاتي بسبب المخاطر النووية وغيرها من التهديدات الوجودية.
علاوة على ذلك، فإن تعقيد المشهد النووي واضح في الأدوار المتطورة للدول الأخرى المسلحة نوويا، مثل فرنسا والمملكة المتحدة، والقوى الناشئة في آسيا، حيث تتصارع كل منها مع الآثار الاستراتيجية للردع النووي وحقائق الحرب الحديثة. وتؤكد هذه الديناميكيات على وجود نظام نووي متعدد الأقطاب، حيث تعمل التوترات الإقليمية في أماكن مثل شبه الجزيرة الكورية، والخليج، وحول مضيق تايوان، على زيادة تعقيد الاستقرار العالمي.
وعلى الرغم من أن الحديث اقتصر في البداية على القوى النووية التقليدية والكلاسيكية، فإن تداعيات الحرب النووية من الممكن أن تتوسع وتمتد إلى ما هو أبعد من هذه الدول. هناك قلق متزايد من أن الدول الأخرى المتوزعة على خارطة جغرافية واسعة النطاق قد تنظر أيضا إلى الأسلحة النووية كوسيلة للاستفادة من القوة، إما دفاعيا أو كإجراء مضاد. وهذا يرسم صورة مروعة لمستقبل يمكن أن تصبح فيه الرؤوس الحربية النووية أدوات في أيدي الكثيرين، وليس فقط القوى العظمى.
إقليميا، وفي ظل صراعها مع إسرائيل التي تعتبر صاحبة الترسانة النووية الوحيدة والأكبر في منطقة الشرق الأوسط، تعرب إيران باستمرار عن موقف مبدئي ومحسوب استراتيجيا تحت إشراف آية الله علي خامنئي. وتكرر إيران بأن برنامجها النووي مخصص بالكامل للأغراض السلمية، ويتوافق مع الأطر الأخلاقية والدينية التي تمليها الشريعة الإسلامية. وقد أكد خامنئي مرارا وتكرارا على أن إنتاج الأسلحة النووية ليس محظورا وفقا للمبادئ الإسلامية الشيعية فحسب، بل إنه يتعارض أيضا مع المصالح الاستراتيجية لإيران.
تصريحات خامنئي تشير إلى استراتيجية مركبة للدفاع عن النفس، مما يشير إلى أن إيران، رغم أنها لا تسعى إلى الحصول على أسلحة نووية، مستعدة للرد بقوة مماثلة إذا واجهت عدوانا نوويا من قوى إقليمية مثل إسرائيل أو قوى عالمية مثل الولايات المتحدة، خصوصا بأنه علينا التذكير بأن الولايات المتحدة هي الدولة الوحيدة التي استخدمت السلاح النووي وكان ذلك ضد اليابان، كما أن إسرائيل طفل أمريكا المدلل هددت وخططت لاستخدام السلاح النووي خلال حرب تشرين 1973 ضد سوريا ومصر، ومن ثم هدد مسؤولوها برمي قنابل نووية على روؤس الناس العزل في غزة. ويقدم هذا الموقف طبقة معقدة للفهم العالمي للردع، حيث تضع إيران نفسها كدولة مستعدة لاتخاذ إجراءات حاسمة لحماية نفسها من التهديدات النووية، على الرغم من امتناعها عن التسلح النووي.
إن الآثار المترتبة على هذه السياسة بعيدة المدى، وفي عالم حيث غالبا ما يُنظر إلى القدرات النووية من خلال عدسة ديناميكيات القوة، فإن النهج الذي تتبناه إيران يتحدى النماذج التقليدية للردع النووي، وهو يفترض سيناريو حيث يمكن إعادة تعريف قواعد الاشتباك حسب الضرورة والانتقام بدلا من التسلح الوقائي. إذا ضربت القوى العالمية بقواعد اللعبة عرض الحائط، فإن دولا مثل إيران وغيرها من القوى في العالم سوف تضع خياراتها الخاصة على الطاولة وتشكل النظام العالمي الجديد بأشكال مختلفة. إن النقطة الخطيرة في التاريخ بالنسبة للقوى الشمولية هي ذلك اليوم، ولن يقتصر الرد المضاد على استخدام قوة الحلفاء، بل سيتم تنفيذ الخيارات الأخرى بسرعة مذهلة، والحقيقة التي أصبحت واضحة للجميع هي أن حرب المستقبل هي خطاب القوة ولغتها هي لغة الرؤوس النووية.
وبينما يتأرجح المشهد العالمي على حافة التصعيد النووي، ومع تصاعد التوترات الجيوسياسية وتحول شبح الصراع النووي إلى تهديد جدي ومحتمل، يتعين على العالم أن يعيد ضبط نهجه في التعامل مع التسلح النووي بشكل عاجل. إن دعوة الأمم المتحدة إلى نزع السلاح الفوري تؤكد ضرورة وضع استراتيجيات واقعية وقابلة للتنفيذ تعالج انتشار الأسلحة النووية واحتمال استخدامها. ولا يستلزم هذا إجراء مفاوضات دبلوماسية فحسب، بل يستلزم أيضا وضع إطار قوي للتنفيذ وقادر على التكيف مع الديناميكيات السريعة التغير في السياسة الدولية هذه الإجراءات التي تطبق بشكل متساو على جميع القوى النووية، بما فيها تلك التي لا تعترف بشيء يسمى الأمن والسلم العالميين مثل إسرائيل والولايات المتحدة
تعليقك
- نظرة على إدارة ترامب الثانية /الحرب أو اللفتة السياسية
- المقاومة تتابع معادلة حيفا مقابل الضاحية بقوة
- معادلة حيفا والضاحية / الأمين العام لحزب الله يفي بوعده
- «كامالا هاريس» ضحية تداعيات سياسة «جو بايدن
- تأكيد على أهمية تحفيز الكتّاب على إبداع نصوص تنتصر لفلسطين
- فوز ترامب/دور المسلمين في هزيمة الديمقراطيين في الانتخابات
- د. محمد علي صنوبري: كيف ألهم حزب الله وحماس فكر المقاومة العالمية
- إذا هاجمت إسرائيل العراق،ستدفع تكاليف باهظة
- إحداثيات السلام الصهيوني / ما هدف مدعي وقف إطلاق النار في لبنان؟
- هل بدأ العد التنازلي لدوامة الفوضى في أمريكا
- السياسات الأميركية لا تتغير بتغيير الرئيس
- إستراتيجية بايدن.. تقطيع الوقت لغاية الإستحقاق الرئاسي
- هل حقا عماد امهز قيادي كبير في حزب الله