2025/07/24
نسخ!

تقرير خاص؛

زنجزور ؛ بوابة لدخول الناتو إلى الحدود الشمالية لإيران؟

زنجزور ؛ بوابة لدخول الناتو إلى الحدود الشمالية لإيران؟

يبدو في الظاهر أن إنشاء ممر زنجزور مشروع اقتصادي يهدف إلى ربط نخجوان بأذربيجان، لكنه في الواقع يُعتبر أداة لإعادة تصميم النظام الجيوسياسي في القوقاز، واستبعاد إيران عن طرق النقل، وتعزيز النفوذ الغربي على حدود إيران الشمالية.

وفقًا لتقرير “نگاه نو”، في منطقة حساسة للغاية مثل جنوب القوقاز،لا يعد أي مشروع بنية تحتية أو عمرانية مجرد مشروع اقتصادي بحت. إن ممر زنجزور الذي يهدف إلى ربط أذربيجان ونخجوان بريًا عبر أراضي أرمينيا، هو نموذج صارخ لهذه الحقيقة الجيوسياسية.

ففي الظاهر، يمثل الممر مشروعًا لتسهيل التجارة والنقل، لكنه في جوهره جزء من استراتيجية أوسع تُنفذ بدعم مباشر من الولايات المتحدة وتركيا؛ استراتيجية تهدف إلى إضعاف الموقع الإقليمي لإيران وإعادة رسم خريطة النفوذ في المحيط الجيوسياسي للجمهورية الإسلامية.

 

يُعد مشروع زنجزور من الناحية الاستراتيجية أحد الأدوات الحديثة التي تستخدمها الولايات المتحدة لتعزيز موطئ قدمها في جنوب القوقاز في أعقاب حرب قره باغ الثانية. والهدف النهائي لهذا المشروع هو استبعاد إيران وروسيا عن طرق نقل الطاقة الرئيسية من آسيا الوسطى إلى أوروبا، وفتح طريق جديد يمتد عبر الأراضي الخاضعة لسيطرة باكو، مروراً بنخجوان وتركيا، ووصولاً إلى أوروبا.

 

هذا الطريق لا يعزز فقط خطوط الغاز مثل “تاب” و”تاناب”، بل يتماشى أيضاً مع السياسة الطويلة الأمد للغرب الرامية إلى تقليل اعتماد أوروبا على الطاقة الروسية. وفي خضم هذا، يتم تهميش إيران – التي كانت طريقاً تقليدياً وآمناً للنقل بين الشرق والغرب – وهو تهميش سينطوي على تداعيات أمنية واقتصادية واسعة النطاق لطهران.

 

من المنظور الجيوسياسي، فإن تعزيز ممر زنجزور لا يعني سوى إضعاف الدور الاستراتيجي لإيران في معادلات المنطقة. إيران سعت في السابق إلى تعزيز موقعها في نقل البضائع عبر أوراسيا عبر مبادرات مثل ممر الشمال-الجنوب ، ولکنها اليوم تواجه مشروعاً قد يقضي فعلياً على نفوذها في جنوب القوقاز. وفي المقابل، بدأ المحور الغربي بما فيه الولايات المتحدة وتركيا وإسرائيل وباكو يوسع مجال عملياته؛ هذا المحور لا يكتفي بالأهداف الاقتصادية فحسب، بل يطمح أيضاً إلى تحقيق أهداف استخباراتية وأمنية أوسع نطاقاً.

 

في مواجهة هذه الكتلة الجديدة، يبرز المحور الأوراسي التقليدي المتمثل بإيران وروسيا والصين.إن الصين تعمل عبر مبادرة “الحزام والطريق”على إعادة صياغة طرق التجارة العالمية من شرق آسيا إلى أوروبا، بينما تصر روسيا – رغم الضغوط الناتجة عن الحرب الأوكرانية – على تأكيد دورها كلاعب رئيسي في منطقة القوقاز.

 

تمثّل إيران في هذه المعادلة حلقة الوصل الحيوية بين القوتين الشرقيتين وتلعب دور الضامن الاستراتيجي للتوازنات الإقليمية. إذا تم تنفيذ هذا الممر دون مراعاة المصالح الإيرانية، فإنه سيقطع فعلياً خط النفوذ الجغرافي الإيراني في شمال القوقاز؛ وهذا تحوّل يسلب إيران جوارها الاستراتيجي مع أرمينيا ويمهّد الطريق لدخول لاعبين غير إقليميين إلى الحدود الشمالية الغربية للبلاد.

 

التصريحات الأخيرة لرئيس أذربيجان وتأكيده على استكمال ممر زنجزور حتی الربيع المقبل، تظهر عزم باكو علی تنفیذ هذا المشروع؛ المشروع الذي يتقدم بشكل واضح دون تنسيق مع طهران وفي تعارض مع المصالح الجيوسياسية الإيرانية.

 

في الواقع ، ممر زنجزور نقطة تقاطع لتنافسات متعددة المستويات بين كُتل القوى العالمية والإقليمية.في هذه المعركة الجيوسياسية، إذا لم تتمكن إيران من العمل في الوقت المناسب وبحزم، لا تطرد من طرق التجارة الحيوية فحسب، بل سيزيد تهميشها الجيوسياسي من الثغرات الأمنية على حدودها الشمالية.

 

إن هذا المشروع اختبار جاد للسياسة الخارجية الإيرانية في ظل إعادة تشكيل الخريطة الإقليمية؛ اختبار لا يُحلّ بمجرد الأدوات الدبلوماسية، بل يتطلّب تصميما استراتيجيا ذكيا وتواجدا ميدانيا فاعلا وتحالفات متعدّدة المستويات.

تعليقك

الصفحات الاجتماعية اختيار المحرر آخر الأخبار كاريكاتير صورة اليوم