2025/12/16
نسخ!

جاء في مذكرة تحليلية خاصة:

العراق ، هندسة القوة الجديدة وتحديات المستقبل

العراق ، هندسة القوة الجديدة وتحديات المستقبل

في ضوء إعلان نتائج الانتخابات العراقية، تحليل تأثيرها على هندسة القوى الجديدة في المنطقة، والتحديات المستقبلية التي تواجه العراق، له أهمية كبيرة، خصوصاً بالنسبة للجمهورية الإسلامية الإيرانية من حيث أبعادها السياسية والاقتصادية والأمنية.

بحسب تقرير «الرؤية الجديدة»، ونظرا إلى النتائج العامة للانتخابات الأخيرة المتمثلة في تعزيز التيارات الموجودة، وتراجع المشاركة الشعبية، وإعادة توزيع القوة داخل المكون الشيعي وعلى الصعيد المحلي ، يمكن تسليط الأضواء على عدة آثار وتحديات رئيسية:
١– تأثير الانتخابات على هندسة القوى الجديدة في المنطقة.

أ- تثبيت الوضع الراهن المدارتشير نتائج الانتخابات إلى أن العراق يتجه نحو استقرار حدّي، لا نحو بناء دولة قوية ومتماسكة. وهذا يعني تراجع احتمال الانهيار الأمني، مع استمرار حكومات ائتلافية هشّة على المستوى الداخلي. أما إقليمياً، فلن يكون العراق لاعباً هجومياً، ولا منفعلا تماما، بل سيبقى لاعبا وسطا وحذراً، يتجنب الانخراط في صراعات إقليمية حادة.

ب- استمرار نفوذ الفاعلين الإقليميين
أظهرت الانتخابات أن المحور القريب من إيران لا يزال يمتلك نفوذاً حاسماً، لكن هذا النفوذ ليس «هيمنة مطلقة»، إذ يخضع لضوابط داخلية تفرضها المرجعيات الدينية وضغوط الرأي العام.ونتيجةً لذلك، سيبقى العراق جسرا تواصليا بين طهران والرياض في المعادلات الإقليمية، وسيواصل دوره كقناة حوار بين إيران والدول العربية، بل وحتى مع الغرب.
ج- تراجع الدور الأيديولوجي وتصاعد السياسة المحلية
لقد اعتمدت خيارات الناخبين أساساً على معايير محلية، مثل جودة الخدمات، وفرص العمل، والانتماءات المحلية ويمهّد هذا الاتجاه لسياسة خارجية عراقية أن تعمل براغماتية أكثر وتتأثر بالأيديولوجيا أقل.

٢– التحديات الرئيسية المقبلة أمام العراق
أ- أزمة شرعية سياسية
يعدّ انخفاض المشاركة الانتخابية — رغم ارتفاعها النسبي مقارنة بالانتخابات السابقة (٥٦٪ مقابل ٤١٪ في عام ٢٠٢١) — مؤشراً على استمرار الأزمة. فعلى الرغم من تسجيل نحو ٢١,٤٠٤,٢٩١ ناخباً من أصل ٢٩,٢٥٣,٢٥٨ شخصاً يحق لهم التصويت، فإن عدد من أدلوا بأصواتهم فعلياً لم يتجاوز ١٢,٠٩٦,٤٥٣ ناخبًا. ويعني ذلك أن نسبة المشاركة الفعلية من إجمالي من يحق لهم التصويت لا تزال متدنية.عدم ثقة الجمهور في الأحزاب، يُنشئ خطراً يتمثل في أن تكون حتى الحكومة القانونية ذات شرعية اجتماعية ضعيفة.
ب- الاقتصاد الريعي وبطالة الشباب
طالما ظل الاقتصاد العراقي معتمداً على النفط، واستمر الفساد البنيوي وضعف القطاع الخاص، فإن أي حكومة قادمة ستواجه موجات جديدة من الاحتجاجات الشعبية. وتشير الإحصاءات الحالية وفق ما أعلنته الحكومة العراقية ،إلى أن معدل البطالة في العراق يبلغ ١٥٫٥٪، وهو تحسن مقارنة بنسبة ١٧٪ السابقة، مما يظهر اهتمام حكومة محمد شياع السوداني بتحسين معيشة المواطنين ومكافحة الفساد في العراق.

ج- مسألة السيادة والأسلحة خارج إطار الدولة
يعدّ ضبط العلاقة بين الدولة والجماعات المسلحة، دون الانزلاق إلى صراع داخلي، من أبرز التحديات التي تواجه العراق. وهذه المسألة ذات بعد داخلي واضح، لكنها في الوقت نفسه مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالتنافس الإقليمي والدولي. ومع ذلك، فإن وجود برلمان وحكومة قوية ومتماسكة، قادران على دعم المؤسسات العسكرية والأمنية الوطنية ومنع التدخلات الخارجية — خصوصاً الأمريكية. إن هذه الجماعات المسلحة قد نشأت في الأصل بعد الاحتلال الأمريكي للعراق وظهور تنظيمات تكفيرية مثل تنظيم «داعش».
د- الفجوة بين بغداد وإقليم كردستان والمحافظات
يمكن أن يتفاقم التوتر القائم بين بغداد وإقليم كردستان، وكذلك بين المحافظات الجنوبية والمركز، في حال عدم إجراء إصلاحات جوهرية في هيكلية الموازنة المالية وتوزيع الصلاحيات. ويزيد من حدة هذا التحدي أن الإقليم يواصل، بدعم من الولايات المتحدة وتركيا والكيان الصهيوني، تصدير النفط خارج إطار رقابة الحكومة المركزية، ما يُعدّ من أبرز التحديات .

ه- التحوّل إلى ساحة صراع للآخرين

في ظل التوترات الإيرانية–الأمريكية أو أزمات إقليمية، يظل العراق عرضةً لخطر التحوّل، دون إرادته، إلى ساحة لتصفية الحسابات الخارجية. وقد أظهرت الحرب التي اندلعت في منتصف يونيو إلى 25 يونيو 2025 أن العراق لا يمتلك السيطرة الفعلية على سمائه. ولولا الملاحظات الخاصة التي تأخذها إيران بعين الاعتبار، لكان الوضع قد تأزم بشكل كبير. ولذلك، يجب على البرلمان والحكومة العراقية الجديدة اتخاذ ترتيبات لازمة لاستعادة السيادة الكاملة على المجال الجوي العراقي.
في ضوء ما سبق، تشير الانتخابات الأخيرة إلى أن العراق دخل مرحلة استقرار هشّ وانتقال طويل الأمد، بمعنى أنه ليس على حافة الانهيار، ولكنه في الوقت نفسه بعيد كل البعد عن كونه قوة إقليمية مستقلة.

إن مستقبل العراق لن يعتمد فقط على نتائج انتخابات معينة، بل على قدرة النخب السياسية على إعادة بناء الثقة الشعبية، والحد من الفساد ، وتحديد دور متوازن للعراق في المعادلات الإقليمية، وأهم من ذلك كله تحرير الاقتصاد العراقي من هيمنة الرهان الأمريكي .

تعليقك

الصفحات الاجتماعية اختيار المحرر آخر الأخبار كاريكاتير صورة اليوم